علم علل الحديث يعرف بأنه: علم يتوصل به إلى الوقوف على الأسباب الخفية التي تقدح في صحة الحديث مع أن ظاهره السلامة منها.
وهو (علم قائم بذاته) كما قال الحاكم رحمه الله: " ذكر النوع السابع والعشرين: هذا النوع منه معرفة علل الحديث وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل "[4].
فعلم علل الحديث غير علم المصطلح وعلم الجرح والتعديل، ويتميز علم العلل عن غيره من علوم الحديث بدقته فهو علم عزيز (وشأنه معظم) لذلك قال ابن الصلاح رحمه الله: "اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب"[5]. وقال الحاكم رحمه الله: "معرفة علل الحديث من أجل أنواع الحديث"[6].
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "وقد ذكرنا أنه علم جليل قل من يعرفه من أهل هذا الشأن وأن بساطه قد طوي منذ أزمان"[7] قلت: وقول ابن الجوزي رحمه الله عن علم العلل أنه قد طوي بساطه منذ أزمان لا يعني به انقطاع العلماء العارفين بهذا الفن، وإنما يعني به الندرة والقلة والمثلية لما كان عليه الحفاظ والنقاد الأولون من علماء العلل في كل زمن إلى قيام الساعة وقد اشتغل الإمام ابن الجوزي نفسه بهذا العلم وكتب فيه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. والله أعلم.
وقال الخطيب البغدادي "معرفة العلل أجل أنواع علم الحديث"[8].
قلت: وإنما كان علم علل الحديث جليلا ونفيسا في علوم الحديث لأن العالم بعلل الأحاديث وإنما يبلغ هذا المقام بفضل الله بأمور ثلاثة هي: الحفظ والمعرفة والفهم الثاقب. كما نص العلماء على ذلك وسيأتي نصوص من كلامهم. (والحاكم الإمام كان أول) من (عده علما) مستقلا بذاته (وفيه أصل) أصولا وقواعد في سياق كلامه على علل الأحاديث.
وهذا العلم تجمعه و(تجمله الأصول والقواعد) التي قررها العلماء في كتبهم باستقراء أحوال الأسانيد والرواة ودونوها فهي (في كتب المحدثين توجد) بالتنصيص على أنها قواعد وأصول كصنيع الحافظ ابن حجر رحمه الله حين أشار إلى قاعدة مهمة ألا وهي قدم السماع مظنة قوة الحفظ حيث قال: " وإنما رجح البخاري رواية أبي نعيم جريا على قاعدة المحدثين لأن من جملة المرجحات عندهم قدم السماع لأنه مظنة قوة حفظ الشيخ"[9] فهذا تنصيص على هذه القاعدة. أو توجد -تلك القواعد- مجموعة في كتب خاصة بعلل الحديث وقواعده ومنها كتاب علل الترمذي وشرحه لابن رجب الحنبلي (شرح علل الترمذي) رحمهما الله. قال الشيخ عبد الله السعد عن شرح علل الترمذي: " وقد ضمن شرحه قواعد نفيسة وضوابط مفيدة وتقسيمات نافعة ونقولات عن كبار الحفاظ تتعلق بعلم الرجال يحسن الرجوع إليه فيها "[10]. فهذا الكتاب ونحوه مرجع مهم لقواعد علل الحديث. وكذلك كتب الحديث عامة ككتب التخريج والرجال وغيرها فيها قواعد منثورة في طياتها بينها النقاد (عند كلامهم على الرجال) (والنقد للحديث بالإعلال)، (لاسيما ما اختص منها بالعلل) فهي أشمل في ذكر قواعد وأصول هذا العلم (لأنها) أخص في بيان أسباب القدح في الأحاديث لاسيما الخفية منها لذلك (احتوت قواعد العمل) التي بها تظهر علل الحديث.
المصدر - موقغ الألوكة من كتاب شرح النظم المطلول في قواعد الجديث المعلول تأليف إدريس الصغيوار أبي الحسن الفقيه.