مدرسة الحديث بفاس .. أول موقع إليكتروني متخصص في علوم الحديث رواية
<

تلفزيون مدرسة الحديث بفاس

من علوم السنة النبوية: علم الجرح والتعديل- عبد الجبار محمود السامرائي

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم


من علوم السنة النبوية: علم الجرح والتعديل- عبد الجبار محمود السامرائي

الحديث هو ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة سواء كان قبل البعثة أو بعدها.وقد اهتم الصحابة والتابعون ومن تلاهم من العلماء بحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وتناقلوها جيلا بعد جيل، لما لها من أثر بالغ في الدين، فتفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وملامح شخصيته، وشمائله وسيرته ذات أهمية كبيرة في حياة المسلمين العلمية، لأنهم مأمورون بالاقتداء به في حياتهم الخاصة والعامة.

والحديث يعتبر المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، فهو يبين القرآن ويفصل الأحكام المحملة التي وردت فيه، ويقيد المطلق، ويخصص العام، ويقرر أحكاما لم ينص عليها التنزيل العزيز، ولا يمكن أن يتكامل تصور الإسلام وفهمه بدون الحديث.
ولهذه الأهمية البالغة للحديث، عني المسلمون بحفظه وفهمه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، واستمر هذا الاهتمام بالأحاديث في الأجيال التالية، وسيستمر إلى يوم الدين.
وقد تعرض الحديث النبوي الشريف إلى محاولات قوية للتلاعب فيه والدس عليه، من قبل أعداء الإسلام، فظهرت حركة الوضع في الحديث التي هددت هذا الأصل الكبير من أصول الإسلام بالتحريف، ولكن العلماء بذلوا جهودا جبارة في تمحيص الحديث ونقده وتمييز الصحيح من الموضوع، وقد نجحوا في مهمتهم هذه إلى حد كبير. (1)
وما "علم الجرح والتعديل" إلا أحد علوم السنة النبوية المشرفة الذي بين مرتبة الرواة وحدد الضعيف أو الوثيق وفق مصطللحات ومفاهيم مخصوصة، تعارف عليها العلماء، فيها من دقة الصياغة وتحديد الدلالة مما له أهمية بالغة في نقد إسناد الحديث الشريف.

مفهوم الجرح والتعديل :
الجرح : هو ظهور وصف في الراوي يثلم عدالته، أو يخل بحفظه وضبطه، مما يترتب عليه سقوط روايته أو ضعفها وردها.
والتعديل : هو وصف الراوي بصفات تزكية، فتظهر عدالته، ويقبل خبره.
فعلم الجرح والتعديل هو العلم الذي يبحث في أحوال الرواة من حيث قبول رواياتهم أو ردها، وهو من أهم علوم الحديث، إذ به يتميز الصحيح من السقيم. (2)

نشأة علم الجرح والتعديل :
تعود نشأة علم الجرح والتعديل إلى وقت مبكر من تاريخ السنة النبوية الشريفة، إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ ثبت الكلام عنه في التعديل والتجريح.
ومما جاء عنه في التعديل أنه قال :" إن عبد الله رجل صالح"، يعني عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
وفي التجريح أنه قال في رجل : "بئس أخو العشيرة"، أو قال :"ابن العشيرة" (3) وأنه قال :" حتى متى ترعون ذكر الفاجر هتكوه يحذره الناس". (4)
كما ثبت الكلام فيه عن جماعة من أعيان الصحابة رضي الله عنهم : كأبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس وغيرهم، ممن جرحوا وعدلوا وبحثوا عن صحيح الروايات وسقيمها. (5)
ثم سلك مسلكهم واهتدى بهم في ذلك كثير من كبار التابعين رضي الله عنهم : كسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله ابن عمر، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأبي سلمى بن عبد الرحمان بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، وغيرهم من فتشوا عن الروايات، وبحثوا في أحوال الرواة.
ثم تبعهم في ذلك وسار على هديهم فيه من جاء بعدهم من التابعين، كمحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة بن الزبير، وسعد بن إبراهيم، وغيرهم، ممن جدوا في الطلب، وسعوا في الحفظ، وأكثروا من تتبع الطرق والبحث عن الرجال.
ثم أخذ عن هؤلاء وسلك طريقهم في حفظ السنن، والبحث عن الرجال، والقدح في الضعفاء جماعة من أعلام أبتاع التابعين : كسفيان الثوري ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وسفيان ابن عيينة، وغيرهم.
ثم أخذ عن هؤلاء الحديث والبحث عن الرجال والتفتيش عن الضعفاء جماعة بعدهم : كعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن إدريس الشافعي، وغيرهم من أقرانهم.
وأخذ عن هؤلاء جماعة ممن رحلوا في جمع السنن والتفتيش عنها والبحث عن الرجال، وبيان أحوالهم جرحا وتعديلا، حتى أصبحوا أساتذة يقتدى بهم في هذا المجال : كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبي بكر بنابي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وعبيد الله بن عمر القواريري، وابن خيثمة، وغيرهم.
وتبعهم في ذلك جماعة من تلاميذتهم الذين أخذوا عنهم السنن، وسلكوا طريقهم في البحث عن أحوال الرجال وانتقاء الآثار : كمحمد بن يحيى الذهلي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبي زرعة الرازي، ومحمد ابن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج، وأبي داوود السجستاني، وآخرين من أقرانهم.
وأخذ علم هؤلاء تلاميذتهم، ومن جاء بعدهم ممن عرفوا لهذا العلم فيما بعد. (6)
وتجدر الإشارة إلى أن الكلام في الجرح والتعديل كان قليلا محدودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك في عهد كبار الصحابة رضي الله عنهم، وذلك لقلة الضعفاء والمشكوك في أمانتهم من الرواة في هذين العهدين الكريمين.
وبعد هذين العهدين أخذ الكلام فيه يزداد شيئا فشيئا ويوما بعد يوم، حتى اتسع في أواخر عهد صغار التابعين وأوائل عهد كبار أتباع التابعين، حيث كثر في هذا الوقت الضعفاء والوضاعون، وشاع فيه الابتداع والافتراق، فتصدى لذلك العلماء، إذ تسابقوا في التفتيش عن الروايات ليميزوا صحيحها من سقيمها، وفي البحث عن أحوال الرواة ليبينوا المقبول منهم من المتروك، والقوي من الضعيف، وجابوا لذلك الأقطار، وجالوا الأمصار، واستعذبوا في سبيله عناء السفر وآلام الاغتراب، وكان من أكثرهم رحلة، وأوسعهم تفتيشا وبحثا، وأشدهم نقدا للرواة وتحرجا في قبول المرويات "الإمام شعبة ابن الحجاج" المتوفي سنة 160هـ، ونظرا لكثرة بحثه، وشدة تحرجه ونقده، ظن البعض أنه أول من تكلم في الجرح والتعديل، فقال :" إن أول من تكلم في الرجال شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى ابن سعيد القطان، ثم أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين". (7)
لقد دون جماعة من علماء هذا الفن ما توصلوا إليه من نتائج في هذا المجال، ظهرت عدة مؤلفات لعدد من الأعلام في هذا العلم: كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وابن خيثمة، وأبي زرعة الرازي، وأبي حاتم الرازي، والبخاري ، ومسلم، وأبي داود والنسائي وغيرهم.
ولم يكد ينتهي القرن الثالث الهجري حتى كان علم الجرح والتعديل علما قائما بذاته له معالمه ورجاله وكتبه، وله دوره الهام في خدمة السنة النبوية الشريفة، وخدمة العلوم الإسلامية بوجه عام. (8)

المصدر - "مجلة دعوة الحق " الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية

العدد 313 ربيع 1-ربيع2 1416/ غشت-شتنبر 1995

الرابط  إلى غاية 22/12/2024  : 
https://habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7894

    ============================

    1 – د. أكرم ضياء العمري : بحوث في تاريخ السنة النبوية، ص : 17.
    2 – علوم الحديث الشريف، ص : 108 – للدكتور قحطان الدوري.
    3 – انظر : ابن حبان  المجروحين – 1/12، والسيوطي : تدريب الراوي : 2/499.
    4 – تدريب الراوي : للسيوطي 2/299.
    5 – معرفة علوم الحديث : للحاكم – ص : 652 والمجروحين : 26-28.
    6 – المجروحين : 1/26-44، وانظر : علم التجريح والتعديل : للدكتور حارث سليمان الضاري – ص : 74 -76.
    7 – انظر : ابن الصلاح، علوم الحديث : 350، وابن حجر ، تهذيب التهذيب : 4/345.
    8 – علم الجرح والتعديل : للدكتور حارث للضاري – ص : 77.

    اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
    ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين
    أحدث أقدم