فالضَّعْفُ الذي يطلقه أئمة الجرح والتعديل على الرواة ثلاثة أنواع:
الأول : ضَعْفٌ مُطلَق .
الثاني : ضعف مقيد
الثالث: ضعف نسبي.
أما الأول وهو الضَّعْفُ المطلق فهو يقتضي رَدَّ الرِّواية فلا تقبل
وهذا الرد له ثلاثة أحوال وهي إما أن يكون :
- ردا مطلقا فلا تقبل بأي حال من الأحوال.
- أو ردا غير مطلق بحث تتقوى الرواية بمجيئها من طريق آخر .
- أو ردا من حيث العمل لا النظر بسبب التوقف في الحكم على الرواية فلا تقبل ولا ترد وإنما يتوقف في حكمها فترد من حيث العمل لا من حيث النظر فيها.
وأما الثاني وهو الضعف المقيد فهو ما قيده أئمة الجرح والتعديل بالبلدان أو بالشيوخ أو الأزمان.
- أما ما قيدوا ضعف الراوي فيه بالبلدان فيكون الراوي ضعيفًا في بلد دون غيره أو ضعيفًا في روايته عن شيخ بعينه أو ضعيفًا في وقت دون وقت آخر. فيطلق على الرواي وصف الضعف مقيدا ببلده فيكون فيه ضعيفا في رواية الحديث دون غيره من البلدان لسبب عارض له في ذلك البلد كضياع كتبه ونحو ذلك.
ومثال الضعف المقيد بالبلدان معمر بن راشد الأزدي، حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير؛ لأن كتبه لم تكن معه، وحديثه باليمن جيد.
- وأما ما قيدوا ضعف الراوي فيه بالشيوخ فمختص بمن ضعفوا روايته عن أحد الشيوخ لسبب من الأسباب وتكون روايته عن غير ذلك الشيخ مقبولة لا ضعف فيها .
ومثال الضعف المقيد بالشيوخ جعفر بن برقان الجزري. قال الإمام أحمد: «يؤخذ من حديثه ما كان عن غير الزهري فأما عن الزهري فلا».
وأما الضعف المقيد بالأزمان فهو تضعيف للراوي في مرحلة عمرية من حياته وغالبا ما تكون المرحلة المتأخرة من عمره فيكون قد اختلط فيها عقله وذهب حفظه أو ذهب بصره أو كان يحدث من متبه وفقدها وأصبح يعتمد على حفظه فأخطأ فيضعف حديثه من تاريخ اختلاطه اي زمن اختلاطه فيقال له ضعيف ضعفا مقيدا بتلك المرحلة الزمنية التي اختلط فيها او ذهب بصره ونحو ذلك وليس ضعيفا مطلقا فما رواه من الأحاديث قبل تلك الفترة الزمنية يقبل وما رواه خلال تلك الفترة التي اختلط فيها وساء حفظه لأي سبب من الأسباب لا يقبل.
ومثال الضعف المقيد بالأزمان : عبد الرزاق بن همام الصنعاني. قال الإمام أحمد: «عبد الرزاق لا يعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره، كان يلقن أحاديث باطلة، وقد حدث عن الزهري أحاديث كتبناها من أصل كتابه وهو ينظر جاؤوا بخلافها منها»
وأما الثالث وهو الضعف النسبي: فهو ما يطلق حين المقارنة، ولا يلزم منه الرد ولا التضعيف؛ وإنما هو بحسب سياق الكلام؛ فقد يقال عن راو معين فلان ضعيف مقابل ثقة ثقة، ولا يكون القصد بيان ضعفه بالمعنى الاصطلاحي عند المحدثين؛ وإنما بيان نزول درجته في التوثيق إذا قارناه بمن هو أوثق منه، اي هو اقل درجة في التوثيق وليس ضعيفا ضعفا يرد به حديثه فالمقارنة هنا بين ثقة وأوثق . ولذلك قال الحافظ ابن كثير: «والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك) مقدمة ابن الصلاح ص 79.
ومثال الضعف النسبي: سأل عثمان الدارمي يحيى بن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه فقال: ليس به بأس، قال: قلت: هو أحب إليك أم سعيد المقبري ؟ فقال : سعيد أوثق والعلاء ضعيف .
وانظر أمثلة كثيرة ساقها أستاذنا الدكتور العبدالعزيز العبداللطيف رحمه الله في كتابه ضوابط الجرح والتعديل.
قال إدريس الصغيوار في كتاب منظومة في قواعد الجرح والتعديل مختصرا جملة ما سبق :
والضَّعْفُ منه ما يكون مُطلقا
فَحُكْمُه الرَّدُّ سوى إذا ارتقى
بعاضد إلى الحديث الحسنِ
ومنه ما قد قيدوا بالوطنِ
أو بالشيوخ فالقبول ممكنُ
في غير ما قد قيدوا وبينُوا
ومنه نِسبي كما لو أطلقوا
تضعيفهم على الذي يُوَتَّقُ
إن جاء ذكره لدى المحققِ
مقـترنا بذكـــــره للأوثــــقِ
وحكمُه ليس على الإطلاقِ
لكنْ بحسب القَصْدِ والسياقِ