وليس الوهم اليسير من صور عدم الضبط ، فلا يقال لمن وقع منه الوهم : إن في حفظه ضعفا، إذ الوهم طارىء لايسلم منه أحد حتى الضابط المتقن الحافظ المكتمل في ضبطه، لذلك لا يشترط في الضابط عدم الوهم فهو شرط يستحيل تحققه في الرواة، وهذا هو السر الذي جعل المحدثين يضيفون شرط عدم الشذوذ وعدم العلة في شروط الحديث المقبول ، فاشتراطهما هو أساسا لمنع وقوع أثر الوهم من الرواة على الحديث بمعنى أن الراوي الضابط نقبل حديثه لتحقق صفة الضبط فيه ، لكن نتحقق من الأمر بطريقة أخرى وهي أن نقارن بينه وبين رواة آخرين في الحديث الذي رواه ، فإن وجدناهم اتفقوا على رواية ذلك الحديث كما هو علمنا أن الوهم لم يطرأ على أحد منهم وقلنا هذا حديث مقبول، فإن وجدنا راويا ضابطا قد خالف الآخرين مثلا ، علمنا أن هذه المخالفة سببها أنه وهم هذه المرة ولم يعرض الحديث كما هو أي طرأ عليه طارىء الوهم غالبا ، فإن كان هذا الراوي منزلته هي المقبول أي لم يبلغ درجة علو الضبط والحفظ وكماله والذين خالفهم ثقات ضباط أي لهم تمام الضبط قلنا هذا شذوذ لأن الراوي الذي أخطأ بسبب الوهم خالف آخرين أفضل منه في الحفظ والضبط فبالتأكيد سيكون ما رواه مخالفا للأصل لذلك وصف بالشذوذ عن الأصل والقاعدة وسمينا الحديث بالحديث الشاذ. فإن كان ثقة فخالف ثقات آخرين سميناه معلولا فالمخالفة هنا أتت من راوٍ صفته إتقان الضبط يقال له ثقة فلم يسمّٓ حديثه شاذا ، إنما سمي معلولا حتى تتميز رواية المقبول إذا خالف ثقة أو ثقات عن رواية الثقة إذا خالف ثقةأو ثقات وهذا من مباحث علم علل الحديث بل هو ركيزته وحجر الزاوية فيه . وللمعلول صور أخرى غير هذه لا تنحصر، وسنأتي عليها في دراسة الحديث المعلول بإذن الله.
وهناك فرق بين منزلة كثرة الوهم ومنزلة الوهم ، فالوهم يطرأ حتى على الثقات الحفاظ ولا يقدح في مكانتهم في الحفظ والضبط وهو يسير جدا في جانب صوابهم ، ويعرف بمقارنة ما رووه بما رواه غيرهم .
أما منزلة كثرة الوهم فهي طعن في ضبط الراوي فالكثرة تخرج الوهم من الحالة الطبيعية التي ذكرنا إلى حالة سوء الحفظ لسبب من الأسباب فالراوي كثير الوهم يطعن في ضبطه بما يقتضي رد حديثه فلا يقبل فكثرة الوهم سالبة لصفة الضبط بخلاف الوهم اليسير لا تتزحزح معه رتبة ضبط الراوي.
وقد نظمت مضمون هذا المقال في أبيات يسيرة سهلة الحفظ فأقول :
والوهمُ في الرواة ليس ينقضُ
ما ضبطـــُـــوا بحفظـهم وعــــــرضـُــوا
إذ وهْهْمُ في ضبطهمْ حتما يقعْ
فشرط منـــعِ الوهمِ فيهم مُمْتنــعْ
لذا نفوا شذوذهم في ضبْطهم
وما يُعٓــــلُّ مِنهمُ فــي حفظِهمْ