إن أعداء الإسلام من الطوائف والأمم التي قضى عليها الإسلام ونسخ دياناتهم ، لم يهدأ لهم بال ولم يقر لهم قرار منذ رأوا ذلك الإنتشار السريع للإسلام وذلك الإقبال الشديد عليه من أبناء شعوبهم ، لذلك شرعوا في الكيد والمكر لهذا الدين وأهله
ولما كانت المجابهة المكشوفة لهذا الدين وكتابه الكريم غير ممكنة لجأ هؤلاء الأعداء إلى حيلة التظاهر بالإسلام وإبطان خلافه ثم أخذوا يثيرون الشبهات ويبثون الشكوك بين المسلمين ، وقد وجهوا رماح شكوكهم وسهام شبهاتهم إلى السنة المطهرة ورواتها ، والسنة هي الموضحة والمفسرة والشارحة للقرآن فالطعن فيها طعن في القرآن والطعن فيهما تحريف لدين الإسلام وهذا ما رامه وقصده أولئك الأعداء مما ألقوه من الشكوك والشبهات وهو الهدف من تظاهرهم بالإسلام.
وكان من بين أولئك الذين تظاهروا بالإسلام وكان لهم أثر كبير في إثارة الشكوك والشبهات حول السنة المطهرة ورواتها:
1- عبد الله بن سبأ اليهودي وأمره معروف مشهور ).
2- سوسن النصراني الذي تلقى عنه معبد الجهني بدعة القدر".
3- ابراهيم النظام المعتزلي: ذكر الإمام الذهبي عن بعض علماء الإسلام أنه كان يخفي برهميته بالإعتزال ليفسد دين الإسلام".
4- بشر المريسي: ذكر الخطيب البغدادي في ترجمته أنه ابن يهودي كان يصنع الكوافي في الكوفة وكان يخفي زندقته بالإعتزال .
5- الجهم بن صفوان الذي أخذ أراءه عن السمنية والهنود ، وقد أفسد هذا الرجل في دين الإسلام ما لم تفسده أمم غيره ).
وغير هؤلاء كثير من أولئك الذين كانوا يخفون زندقتهم ففضح الله أمرهم على أيدي جهابذة علماء الحديث من أهل السنة والجماعة .
وقد تركزت جهود هؤلاء الأعداء في محاربة السنة في النقاط التالية:
1- رد السنة بمجرد عقولهم.
2- الطعن في رواتها بالهوى.
3- وضع أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلصاقها بالسنة وهذه الأحاديث إما تناقض السنة نفسها ، أو تناقض المعقول أو المعلوم بالضرورة وذلك ليعاد باللائمة على السنة أو رواتها و هما براء من ذلك.
وقد تنوع رفض السنة بمجرد العقل إلى:
1- الرد المطلق.
2- رد خبر الآحاد.
ويمكن أن يلحق برد خبر الآحاد ، رد الزيادة على النص باعتبار أن السبب ردها لكونها خبر آحاد.
وسأوجز القول فيما يلي عن كل نقطة من هذه النقاط:
أولاً: رد السنة مطلقاً :
وخلاصة قول أهل هذا الرأي: أن القرآن وحده يكفي وهو الإسلام وحده ، ولا حاجة إلى السنة ، إلا أن بعض القائلين بهذا يستثنون السنة العملية كتفاصيل الصلاة والزكاة ونحوهما.
وقد بدأت بذور هذا الرأي في أواخر عصر الصحابة ، وذلك
من خلال مواقف بعض الأفراد كما تدل على ذلك النصوص التالية:
عن الحسن البصري أن عمران بن حصين - رضي الله عنه كان جالساً ومعه أصحابه ، فقال رجل - من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن ، قال فقال له: أدنه فدنا ، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعاً وصلاة العصر أربعاً .... الحديث (۱).
وعن أيوب السختياني: أن رجلاً قال المطرف بن عبدالله بن الشخير: لا تحدثونا إلا بما في القرآن ، فقال له مطرف: إنا والله لا نريد بالقرآن بدلاً ، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا".
وعن أبي عمرو الأوزاعي قال: قال أيوب السختياني: إذا حدثت الرجل بالسنة ، فقال : دعنا من هذا ، وحدثنا بالقرآن فاعلم أنه ضال مضل).
ويبدوا أن هذه حالات فردية ، ولم تتخذ طابعاً جماعياً إلا أواخر القرن الثاني ، لكننا لم نقف على معلومات كافية عن هذه الطائفة إلا ما ورد في كتاب «جماع العلم من كتاب «الأم» للإمام الشافعي حيث قال: باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها ثم شرع في الرد عليهم رحمه الله تعالى.
وتعتبر الرافضة ممن رد السنة مطلقاً لأن من معتقدهم الحكم بالردة على الصحابة - رضي الله عنهم - إلا نفر يسير وعلى ذلك فكل ما جاء من طريقهم من السنة فهو مردود لاسيما وهم يتهمونهم أيضاً بالكذب والخيانة في تبليغ الرسالة ، وأنهم كتموا تسعة أعشار القرآن ، وأما ما يعملون به مما يسمونه حديثاً أو سنة فهو في الحقيقة دین جدید اختلقه عبد الله بن سبأ اليهودي ، ولفقه من اليهودية والإسلام ، ثم وضعوا له فيما بعد أسانيد من طريق آل البيت وهي كذب وزور وآل البيت منهم ومن دينهم برآء براءة الذئب من دم يوسف.
والإسلام كله - كتاباً وسنة - ليس للأمة طريق لمعرفته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصحابة ، فمن رد ما جاء من طريقهم فمن أين له طريق آخر يعرف به ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولمزيد تفصيل عن موقف الرافضة من السنة المطهرة فليراجع منهاج السنة النبوية للإمام شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية أو مختصره للشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان ، وما كتبه الحافظ السيوطي في كتابه «مفتاح الجنة في الإحتجاج بالسنة» و «الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم» للحافظ ابن الوزير اليمني المتوفي سنة ٨٤٠هـ .
هذا بالنسبة للعصور الماضية ، أما في العصر الحاضر فإن الاستعمار الغربي لم يكد ينتهي من إتمام وإحكام سيطرته على بلاد المسلمين حتى شرع - وذلك عبر طلائعه من المبشرين والمستشرقين
في إحياء ما اندثر من البدع والآراء المنحرفة والفرق والطوائف المعادية للإسلام والتي كان قد غرسها من قبلهم أسلافهم من أعداء الإسلام من يهود ونصارى ومحوس وصابئة.
وكان من تلك البدع والآراء المنحرفة التي أحياها الاستعمار عن طريق من باعوا ذممهم من جهلة المسلمين للاستعمار نظير حفنة من الجنيهات ، تلك المقولة التي تنادي برفض السنة والإكتفاء بالقرآن وحده ، فهو كاف بزعمهم ، وهم في الحقيقة يقصدون رد الدين كله كتاباً وسنة.
ففي شبه القارة الهندية استطاع الإنجليز أن يشتروا مجموعة ممن يزعمون أنفسهم من علماء المسلمين ثم اتخذوهم مطية لإنكار الجهاد بالسيف واقناع المسلمين بذلك ، وكان ذلك بعد أن عاني الإنجليز الأمرين على يد الحركات الجهادية التي كانت تخرج ضدهم في أنحاء الهند.
وكان من أبرز المنادين بإبطال الجهاد جراغ على وميرزا غلام أحمد القادياني.
ثم تطور الأمر إلى إيجاد مجموعة أخرى تنادي برد السنة مطلقاً والاقتصار على القرآن وكان على رأس هذه المدرسة سيد أحمد خان وعبد الله جكر ألوي وأحمد الدين الأمر تسري وآخرين ، ثم جاء غلام أحمد برويز فأسس جمعية باسم ( أهل القرآن ) كما أصدر مجلة شهرية
ونشر عدة كتب في هذا الصدد
أما في بلاد العرب فقد تولى كبر الدعوة إلى رد السنة والاقتصار على القرآن وحده طائفتان:
الطائفة الأولى:من يزعمون أنفسهم من اتباع المدرسة الإصلاحية التي نشأت وترعرعت في أرض الكنانة مصر على يد كل من محمد عبده وشيخه المتسمي بالأفغاني ، وقد نشرت آراء هذه المدرسة من خلال وسيلتين:
الوسيلة الأولى: مجلة المنار التي كان يرأس تحريرها ومؤسسها - الشيخ محمد رشيد رضا أحد أقطاب المدرسة الإصلاحية ، فقد نشرت هذه المجلة سلسلة من المقالات بعنوان: الإسلام هو القرآن وحده ) (۲) بقلم الدكتور توفيق صدقي ، وقد أيد الشيخ رشيد رضا هذه المقالات إلا أنه زاد الطين بلة حين قسم السنة إلى دين عام السنة العملية يجب قبوله ، ودين خاص -- وهو ماعدا ذلك لسنا ملزمين بالأخذ به.
الوسيلة الثانية:( كتاب أضواء على السنة المحمدية ) لأبي رية وقد كتب في الرد على أبي رية كتب كثيرة من أجودها : ١- السنة ومكانتها للسباعي ، ٢- الأنوار الكاشفة للمعلمي رحمهما الله تعالى جميعاً - .
الطائفةالثانية : بعض الكتاب والأدباء وهم من أبناء الكنانة أيضاً - ممن نشأ وترعرع على أيدي أعداء الإسلام من يهود ونصارى من المستشرقين في جامعات فرنسا وألمانيا وبريطانيا ، فتغذت عقولهم وران على قلوبهم شبهات وشكوك مشايخهم من المستشرقين ، فعادوا إلى بلاد المسلمين ليكونوا رسلاً لأعداء الله ورسوله ، فيبثوا تلك الشبهات ويثيروا تلك الشكوك بين المسلمين ، وعلى رأس هؤلاء الأدباء الذين كانت كتبهم تنضح بالطعن على السنة ورواتها وينادون بردها كل من طه حسين وأحمد أمين وغيرهما.
* المقالة من كتاب تدوين السنة للدكتور محمد مطر الزهراني