شعار التلفزيون الرمضاني
00:00 / 00:00

حالات مخالفة الحديث للقرآن وحكمها - الأستاذ إدريس الصغيوار

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

إن تناول موضوع معارضة ظاهر القرآن لنص الحديث بالدراسة والتحليل الحديثي العلمي  ليسد الطريق على أولئك المتنطعين من القرآنيين ومن سار سنتهم حين يسوقون لأوهام التعارض بين القرآن والحديث بجهلهم كلما عجزوا عن الجمع بين المعاني وهذا من صريح جهلهم بعلوم الشريعة إذ لو درسوها لتعلموا قواعد الجمع وما تتطلبه من العلوم اللازمة لذلك كالنحو والصرف والبلاغة والأصول والتفسير والفقه وغيرها فبها جميعا تفهم المصطلحات والسياقات والدلالات ويتحقق الجمع ما أمكن ، كما أن هذه الدراسة تقطع الطريق على أولئك الذين لم يعرفوا أغوار علم الحديث وعلله وأن فيه متسعا لعملية التصحيح والتضعيف بأصوله تفوق مخيلاتهم لذلك تجدهم يمنعون كلية احتمال وجود تعارض بين الحديث والقرآن ، وهو أمر واقع في تاريخ علم الحديث وله قاعدته الراسخة وهي ورود العلة على حديث الثقات إذا ثبت الخطأ في متنه ثبوتا قطعيا كحالة مخالفة النص الظاهر القطعي الدلالة في القرآن بل حتى في أحوال أخرى سنتناولها تباعا بإذن الله.

ومخالفة ظاهر القرآن للحديث يتصور لها ثلاث حالات: 
الحالة الأولى : أن تكون المخالفة شكلية متوهمة إذ يمكن الجمع ما بين دلالة الحديث ودلالة الآية ، وإنما توهم الناظر لأول وهلة وجود المخالفة وهي لا توجد عند التأمل والتحقيق وهذا يقع حتى بين الآيات القرآنية وأيضا بين الأحاديث فيتوهم فيها التضاد والمخالفة مع أن الجمع ممكن والجمع بين هذه الاوجه من العلوم المعروفة في التفسير وهي من أصوله ففيه الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد  والحديث ايضا فيه مختلف الحديث وفي العام والخاص والناسخ والمنسوخ ، وهذا أيضا من مباحث علم الأصول  وفي المحصلة  تكون في هذه الحالة مخالفة بين ظاهر الاية والحديث  .

الحالة الثانية : أن يكون للمخالفة بين ظاهر القرآن والحديث  وجها يعتد به ، ولكن على أحد الاحتمالين أو أكثر بمعنى أن الآية أو الحديث حمال أوجه فعلى تقدير وجه المعنى الأول في الآية أو في الحديث تتحقق المخالفة ، وعلى تقدير المعنى الثاني لا تتحقق ويمكن الجمع ، فحينئذ لا تكون هناك مخالفة ، وفي هذه الحالة يبقى الخلاف في تحقيق المخالفة بين ظاهر القرآن والحديث معتبرا كالخلاف في الفتوى ، ويترتب عليه  ان يترجح على رأي احد القولين ؛أحد المعنيين وهو ظاهر القرآن قطعا فيقدم على معنى الحديث ولا يكون ذلك إلا بالجزم بعلة الحديث أي تضعيفه من هذا الوجه ومثال ذلك حديث( خلق الله التربة يوم السبت ..) عند مسلم من حديث أبي هريرة فالخلاف على معارضته نص الاية (خلق السموات والارض في ستة ايام ) ثابت فمن قال بوجود معارضة بين معنى الحديث الدال على أن الله خلق السموات والارض في سبعة ايام ، وبين معنى الاية الدال على خلقهما في ستة ايام اضطر إلى الحكم على الحديث بالعلة أي بالخطأ في نصه وان رواه مسلم في صحيحه، وتطلب له علة في رواته ، وإن كانوا ثقات كلهم ، وحكم على الحديث في المحصلة بضعفه.
وأما من قال بإمكانية الجمع بين الحديث والآية ففسر الايام السبع بكونها غير تلك التي تحدثت عنها الآية القرآنية وهي الأيام الست ، فموضوع الحديث هو تفصيل لما في الايام الست من الإجمال ، فالله جل وعلا خلق السموات في يومين وخلق الأرض في يومين وخلق  ما في الأرض في يومين فهذه ستة أيام ، والحديث يتطرق لتفصيل الخلق في اليومين الأخيرين ويعبر عنها بتقسيم زمني آخر وهو سبعة أيام فالسبعة أيام هنا تبدأ بيوم السبت وتنتهي بالأحد وهي تعادل يومين فيهما خلقت أقوات الأرض وما فيها،  ولذلك فالحديث ليس فيه ذكر السموات وأنما الارض وحدها فالسبعة أيام في الحديث هي حقبة الزمن في اليومين الأخيرين التي من الأيام الست في الآية ، بينما خلق السموات والارض في الآية يبدأ بيوم الأحد وينتهي بالجمعة . وعلى هذا فالقول الثاني لا يرى تعارضا بين ظاهر الآية وحديث مسلم . فهذا خلاصة الخلاف.
ولم نناقش هنا خلاف العلماء في تضعيف الحديث من حيثية سنده والكلام على رجاله وكونه موقوفا أو مرفوعا انما اقتصرنا على حيثية إمكانية الجمع بين معنى الحديث والآية وهو ما يهمنا هنا .
والمحصلة هنا ان من أخذ بالوجه الأول وهو وجود تعارض بين نص القرآن الظاهر والآية ذهب إلى تضعيف الحديث وحكم عليه بالخطأ. ومن قال بالوجه الثاني وهو الجمع بين المعنيين لم يضعف الحديث وحكم بصحته . وهذا مجال من مجالات الخلاف المعتبر بين العلماء كمسائل الفقه تماما، يعلمنا : أن لا ملام على الأئمة الأعلام في مثل هذا الاجتهاد ولا خصام ،فلا كتاب صحيح مسلم ينقص من قدره من ضعف بعض أحاديثه لدليل قاطع ولا من ضعفوا بعض أحاديثه باجتهاد معتبر ينتقص من قدرهم  أصابوا أم اخطئوا فباب النقد باب اجتهاد لا يغلق لمن له أهلية الاجتهاد في الحديث.

الحالة الثالثة : أن يتم الجزم والقطع بمخالفة ظاهر القرآن لنص الحديث ويكون إجماع العلماء على ذلك فهنا نقطع بضعف الحديث وإن رواه أوثق الثقات ، إذ نستعمل هنا  قاعدة: ( تطلب العلة بدليل ضعف قاطع )، فإن الإجماع على مخالفة الحديث لنص القرآن بالقطع دليل قطعي على ضعف الحديث وخطئه وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله قطعا ، فيبقى البحث فقط عن سبب ورود هذا الخطأ في حديث الثقات وعملية البحث هذه هي ما نسميه تطلب العلة أي طلبها والبحث عنها اين هي ؟! ومن أين جاءت ؟!! فلما كان الحديث من رواية الثقات وكان اتصاله محققا لم يبق إلا اتهام أحد أولئك الثقات في ضبطهم، فلم يشترط فيهم العلماء انتفاء الوهم عنهم كلية ، فلما كان جواز الوهم عليهم ممكنا ولا ينتقص من منزلتهم في الضبط علمنا أن هذا من أوهام أحدهم ، ولن يكون هذا الواهم المحتمل إلا أحد صغار أولئك الثقات، والاقل مكانة في الضبط والحفظ فيهم فإليه تتجه التهمة ومنه يتصور الخطأ لامن غيره عقلا لأنه الأضعف إذا قارناه ببقية الثقات. وبهذا يضعف الحديث ويكون سبب ضعفه واضحا حتى مع غموضه في الأصل فكيف اذا وجدنا  قرينة من قرائن التضعيف في المتن أو السند فحينئذ سيكون توضيح سبب الضعف ممكنا دون تطلب للعلة وافتراض سببها. وهذا هو علم العلل الذي لا يدركه كثير ممن تعرض لهذا الموضوع بنفي إمكانية التعارض وساووا بين نص القرآن الذي لا يتطرق إليه تصحيح ولا تضعيف لنصه وبين الحديث الذي يبقى الاجتهاد في تصحيحه وتضعيفه مفتوحا بشروطه للمؤهل من العلماء المحدثين النقاد حصرا في كل زمان ومكان، فكما لا يجوز الإفتاء في أحكام الشريع إلا لمن تحققت أهليته العلمية فكذلك الحديث لا يجوز ان يضعف فيه ويصحح إلا من تحققت أهليته وإلا وجب عليه الاكتفاء بالاتباع لغيره من المحدثين في الحكم على الأحاديث إن كانت له اهلية النظر ، أو تقليد حكم المحدث على الحديث  إن لم يبلغ أهلية النظر ، وما سوى ذلك هو الجرأة والقول على الله بغير علم وهو الضلال عينه.  


اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين
أحدث أقدم