من الإشكالات التي التي ترد على أقسام الحديث في علم المصطلح ، تقسيمها على اعتبار الدرجة في شروط الصحة ، فمن الناحية العملية وما هو مقرر في علم مصطلح الحديث نجد التفاوت في شرط الضبط هو ما يجعل الأحاديث متفاوتة في درجات القبول فحديث الراوي التام الضبط يسمى حديثا صحيحا وحديث الراوي الخفيف الضبط يسمى حديثا حسنا فالتفاوت هنا هو في حفظ الراوي اي في ضبطه .
اعتبار التفاوت في الضبط هنا يفتح الباب للتساؤل .. ولماذا لا يكون التفاوت في بقية الشروط الأخرى موجبا لتمييز الأحاديث وتقسيمها على اعتبار ذلك التفاوت كل بحسبه .
فشروط القبول هي : الضبط والعدالة والاتصال وعدم الشذوذ وعدم العلة . والذي عليه العمل في اعتبار التفاوت هو الضبط فقط فماذا لو كان هناك تفاوت في صفة العدالة ، او في شرط الاتصال ، فمما لا شك فيه ولا يجادل فيه أحد ان الاتصال درجات ، فليس شرط مطلق المعاصرة كما اكتفى به الإمام مسلم كشرط المعاصرة واللقاء بين التلميذ وشيخه كما اشترطه الإمام البخاري ، فمما لا شك فيه أن شرط اللقاء ولو مرة اقوى وأعلى درجة . وهو تفاوت كما ترى حاصل في شرطي البخاري ومسلم في صحيحيهما ولذلك كان شرط البخاري أقوى واعلى لأن به يحصل القطع باتصال السند أكثر وإن كانت المعاصرة كافية . والاتصال اذا تأملنا في أحواله درجات عدة بحسب صيغه وسلامة الرواة من التدليس من عدمها وغير ذلك وفي مثال التفاوت بين شرط المعاصرة وشرط اللقاء والمعاصرة غنية وكفاية .
وايضا ما يتعلق بشرط العدالة، نجدها تتفاوت بين راو وآخر فليس العدل بالاستفاصة والشهرة لأجل إمامته ومكانته العالية كمن تم تعديله بالنص، وليس من اتفقوا على عدالته وأجمعوا كمن قيل فيه جرح وترجح تعديله ، وليس من جاء النص على عدالته كمن حكموا له بالعدالة ضمنا بتصحيح إمام لروايته مثلا، فهذه المنازل درجات وعلى أساسها تتفاوت منزلة الرواة في العدالة .
فإذا كان التفاوت في شرط الضبط معتبر لتقسيم الحديث المقبول إلى صحيح وحسن ، فإن التفاوت في شرط الاتصال أيضا له اعتباره في ذلك التقسيم ، وكذلك العدالة لتفاوتها اعتبار في تقسيم الأحاديث، فمراعاة الثقة والاوثق في الترجيح معمول بها في علم العلل وقواعده ، وثمرته ان يرجح الاوثق ويقدم على غيره ، ولا شك أن الأوثق يكون كذلك من الجهتين جهة ضبطه وجهة عدالته ، وعليه فكما ترجح الأوثق على الثقة فحديث الأوثق مقدم بالمقتضى على حديث الثقة ، وهذا التقديم هو ما يؤكد التفاوت بين الحديثين في القبول كما تفاوتا في صفة الضبط عند الرواة بين خفيف الضبط وتام الضبط.
هذا التفاوت الحاصل في شروط الصحيح الوجودية اذا صح اعتباره ، فإن لازمه ان يعاد النظر في تعريف الحديث الحسن ، كما يلزم منه وجود اقسام أخرى تظهر بذلك الاعتبار بحسبه ، وثمرته هي ذاتها الثمرة من تقسيم المقبول إلى صحيح وحسن على اعتبار التفاوت في شرط الضبط.
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
ٱلْعَٰلَمِين