شعار التلفزيون الرمضاني
00:00 / 00:00

القيمة العلمية لتقسيم الأحاديث - الأستاذ إدريس الصغيوار

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

 

إن مما أجمعت عليه الجماعة العلمية في تأصيل العلوم وتأريخها أن العلم لا يكون علما ما لم يكن له مصطلحه ، فالاصطلاح في العلوم بمثابة الروح للجسد .
في الطب كما في الفزياء كما في الفلسفة كما في الرياضيات وكل العلوم النظرية وعلوم الشريعة هناك قاموس يخدم العلم ويستوعبه ، هذا القاموس هو مفتاح العلم وهو لغته التي يعبر بها عن قواعده وأصوله ومسائله ومباحثه .
فالمصطلح هو عبارة عن كلمة او جملة او حتى رموز وأحرف تلخص معاني عديدة يطول شرحها في عبارات وربما فقرات ، إنه اختصار لقواعد ومسائل لا يتداخل مع اي اصطلاح آخر في الفن نفسه فإذا ذكر في السياق فهو يعني شيئا محددا بذاته لا يتداخل مع شيء آخر في التخصص نفسه .

وعلم الحديث ككل العلوم له اصوله وقواعده ومباحثه ومسائله ، ولكي يتميز بعلميته ويتسم بها كان لا بد من جمع تلك القواعد والاصول والمسائل في مصطلحات موحدة يتعارف عليها المشتغلون بعلم الحديث وكل مصطلح له دلالة جامعه لمعانيه التي تخصه مانعة لغير تلك المعاني من الدخول تحته إنه لغة علم الحديث ، فما لم تتقن تعلم المصطلحات الحديثية فلن تتعلم علم الحديث مطلقا .
تلك الاصطلاحات الحديثية ليست ترفا علميا لا قيمة لها، إنها عبارات تلخص القواعد والأصول والشروط والمعاني التي يطول شرحها ، وهي لا تخص علم مصطلح الحديث فقط بل تعم علوم الحديث الثلاثة : علم مصطلح الحديث، وعلم العلل، وعلم لجرح والتعديل.
فهذه العلوم الثلاثة تحتوي على مصطلحات تمثل لغتها وبها تفهم ، وانما علم المصطلح هو العلم الذي اشتمل على أغلب تلك الاصطلاحات وقننها فهو كالقاموس الذي يمثل مدخلا لفهم علم الحديث. اما قاموس علم الحديث المشتمل على اصطلاحاته فهو أوسع من علم مصطلح الحديث وأرحب وقد صنفت فيه كتب  مثل ( معجم مصطلحات الحديث) الفته لجنة علمية بالأزهر وقاموس مصطلح الحديث لمحمد صديق المنشاوي،  ولأستادنا البروفيسور ضياء الرحمن الأعظمي كتاب في ذلك  .وهذا مبحث يستحق ان يبحث فيه إذ ما فائدة تسمية علم المصطلح بهذا الاسم بينما هناك اصطلاحات أخرى لا تنضوي تحته عمليا في مؤلفات هذا العلم .
اذا رجعنا إلى القيمة العلمية للمصطلح في علم الحديث وتحديدا مصطلحات الاقسام الحديثية فإننا نجد ما قسمه العلماء من الأحاديث كان على اعتبارات متنوعة تولدت منها الأقسام .
فإذا نظرنا إلى الحديث باعتبار قبوله أو رده  وجدناها إما متحققة أو لا ، فإذا توفرت فيه شروط القبول على أعلى مراتبها سميناه صحيحا . فكلمة (صحيح ) هو اصطلاح يلخص حكاية الصحة أي ان الحديث صحيح مكتسب لشروط الصحة بأعلى مراتبها، فاذا كانت مراتب الصحة في أدناها سميناه حسنا فإذا لم تتوفر تلك الشروط بعضها او كلها سميناه ضعيفا. فاجتمع هنا ثلاثة أقسام .
ثم إذا نظرنا إلى الحديث الضعيف باعتبار ضعفه ، وجدنا أسباب الضعف كثيرة ومتفاوتة القوة , فسمينا كل قسم منها بحسب صفة ضعفه، فالحديث المنقطع ضعفه بسبب سقوط راو في السند، والشاذ هو بسبب مخالفة مقبول لثقة، والمنكر هو بسبب مخالفة ضعيف لثقة  ، والمعلول ما رواه الثقات وكان فيه علة خفية وهكذا .. فهذه اقسام كثيرة باعتبار نوع ضعف الحديث ولكل نوع تعريفه ومصطلحه .
فإذا نظرنا إل الحديث باعتبار منتهى سنده أي من قاله وخرج منه وجدناه إما مرفوعا اى النبي صلى الله عليه وسلم، أي هو من قاله فهو المرفوع، او قاله الصحابي فهو الموقوف، أو قاله التابعي فهو المقطوع . 

فهذه اصطلاحات ثلاثة . تلخص نوع منتهى السند بكلمة واحدة نسميها مصطلحا.
واعتبارات التقسيم لا تقف عند هذا الحد فهي كثيرة ، ولها قيمتها العلمية بتمييز  كل قسم بصفة محددة يترتب عليها العمل به من عدمه أو بترجيح غيره عليه لاعتبارات اخرى ومثال ذلك ، ان الحديث الموقوف إذا تعارض مع حديث الآحاد المرفوع نقدم الموقوف على المرفوع إذا لم يعارض القرآن وكان الموقوف عليه واحدا من كبار الصحابة وهذا المختار عند المالكية ، فلو كنا اكتفينا بتقسيم الحديث إلى صحيح وضعيف لما ميزنا المرفوع من الموقوف ولا الآحاد من المتواتر ولما صاغ لنا فهم هذه القاعدة بمصطلحات يسيرة . اذن فتقسيم الحديث له غايات علمية لها علاقة بمباحث الفقه وترجيحاته والعلل وقرائن الترجيح فيه وغير ذلك  من مباحث الشريعة فضلا عن أن التقسيم هو في ذاته باب الاصطلاح الذي هو لغة العلم وأداته  المعبرة عن قواعده وأصوله ومسائله وبه يفهم ويستوعب ويسهل كما هو الشأن في سائر العلوم.


اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين
أحدث أقدم