مدرسة الحديث بفاس .. أول موقع إليكتروني متخصص في علوم الحديث رواية
<

تلفزيون مدرسة الحديث بفاس

الرامٓهُرمُزي مؤسس علوم الحديث - محمد محب الدين أبو زيد

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم



مقدمة :

كتاب «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» للقاضي الرامهرمزي هو أقدم كتاب صُنِّف في علوم الحديث على الأرجح.

ويشير عنوان الكتاب إلى الفرق بين الراوي المجرد ومن يجمع إلى الرواية الوعي والدراية، ويؤكد الرامهرمزي هذا الفرق عندما يبين أن الراوي المجرد قد يسيء إلى أهل الحديث، قال القاضي: «وليس للراوي المجرد أن يتعرض لما لا يكمل له، فإن تركه ما لا يعنيه أولى به وأعذر له، وكذلك سبيل كل ذي علم، وكان حرب ابن إسماعيل السيرجاني، قد أكثر من السماع وأغفل الاستبصار، فعمل رسالة سماها «السنة والجماعة» تعجرف فيها، واعترض عليها بعض الكتبة من أبناء خراسان ممن يتعاطى الكلام، ويُذكر بالرياسة فيه والتقدم، فصنف في ثلب رواة الحديث كتابًا ...) 

وقد افتتح الرامهرمزي كتابه بما يمكن أن يُعد سببًا لتأليف الكتاب، وهو قوله: «اعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله، فقالوا بتنقُّص أصحاب الحديث والإزراء بهم، وأسرفوا في ذمهم والتقوُّل عليهم، وقد شرَّف الله الحديث وفضل أهله ... ».

فالذي دفع القاضي إلى تصنيف هذا الكتاب هو طعن أهل البدع والكلام في أصحاب الحديث، فأراد أن يدافع عنهم، ويذكر فضائلهم، وينوِّه بعظيم علمهم

وضبطهم وإتقانهم، ويبين أن عندهم من الفقه والدراية ما ليس عند غيرهم من الطاعنين عليهم.

ثم توجه إلى المحدثين ناصحًا لهم بأن يتفقهوا في الحديث ويتأدبوا بآدابه، وأن يتجنبوا ما يُعابون به، فقال: «فتمسكوا -جبركم الله- بحديث نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، وتبينوا معانيه، وتفقهوا به، وتأدبوا بآدابه، ودعوا ما به تُعيَّرون من تتبُّع الطرق وتكثير الأسانيد، وتطلُّب شواذ الأحاديث، وما دلسه المجانين، وتبلبل فيه المغفلون، واجتهدوا في أن توفوه حقه من التهذيب والضبط والتقويم، لتشرفوا به في المشاهد، وتنطلق ألسنتكم في المجالس ... » 

من أجل ذلك فقد ضمن كتابه مباحث في آداب طالب الحديث، وفضل من جمع بين الرواية والدراية، وكيفية كتابة الحديث وروايته، وغير ذلك.

إلا أني لم أجده قد راعى ترتيبًا معينًا لمباحث كتابه، ويمكن تقسيم مباحث الكتاب إلى خمسة محاور رئيسة:

المحور الأول: فضل أهل الحديث

أورد فيه مباحث في: بيان فضل أهل الحديث، وما قاموا به من جهد عظيم في سبيل الحفاظ على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنهم جمعوا بين الرواية والدراية، وأن عندهم من العلم بأحوال الرواة وأسمائهم وأنسابهم وكناهم ومعاني الألفاظ والمتون ما ليس عند غيرهم، ولا يشاركهم فيه أحد من أصحاب العلوم الأخرى، وذَكر المصنفين من رواة الفقه في الأمصار، وفي غضون ذلك مباحث قيمة في المؤتلف والمختلف، والمتفق والمفترق، والكنى، والأنساب، وغير ذلك.

المحور الثاني: آداب المحدث وطالب الحديث وأوصافهما

أورد فيه مباحث في: النية في طلب الحديث، والسِّن الذي إذا بلغه الطالب صلح أن يطلب فيه الحديث، والسن الذي يصلح معه للتحديث، والسن الذي يجب عنده الإمساك عن التحديث، والمنافسة في طلب الحديث، وكراهية كثرة الرواية، والتوقي فيها، وكراهية التحديث على غير طهارة، وعلى غير قرار، وما يتكلم به المحدث عند فراغه من التحديث، وكراهية رواية الأحاديث الغريبة المنكرة، واستثقال إعادة الحديث، وكراهية وضع الحديث عند غير أهله، والإملاء، والاستملاء، والانتخاب، وعقد المجالس في المساجد، ونحو ذلك.

المحور الثالث: كتابة الحديث

أورد فيه مباحث في: اختلاف السلف في كتابة الحديث، وأن الراجح جواز ذلك، وكيفية كتابة الحديث، من وضع الدائرة بين الحديثين، والنقط والشكل، وكيفية الضرب، والتخريج على الحواشي، ونقل السماع من الكتب ومن الحفظ، والمعارضة، وغير ذلك.

المحور الرابع: سماع الحديث وتحمله

أورد فيه مباحث في: طرق تحمل الحديث مثل: السماع من لفظ الشيخ، والقراءة عليه، والإجازة، والمناولة، والوجادة، والوصية، والألفاظ المستخدمة  في ذلك، وفي الذي يسمع ولا يرى وجه المحدث، وفي سقوط بعض السماع، وفي الجماعة يسأل أحدهم وهم يسمعون، ونحو ذلك.

المحور الخامس: رواية الحديث وأداؤه

أورد فيه مباحث في: إسماع الأصم، ومنع السماع، وتقويم اللحن بإصلاح الخطأ، والرواية بالمعنى، والتقديم والتأخير، ومن قال: مثله ونحوه ومن كرههما، ونحو ذلك.

ويورد في ذلك كله أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثارًا عن السلف بأسانيده إليهم، وينقل عن أهل العلم من مشايخه وغيرهم، وإذا كان في المسألة عدة أقوال ذكرها، ثم جمع بينها، أو رجح أحدها. ونراه يستشهد بالشعر كثيرًا، وأحيانًا يتعرض لشرح بعض الكلمات الغريبة، وينقد بعض الآثار والأقوال.

والرامهرمزي - رحمه الله - محدث فقيه لغوي شاعر أديب؛ فكتابه هذا مليء بالفوائد الحديثية والفقهية واللغوية والأدبية، وهو ينقل لك صورة كاملة للحياة العلمية عند علماء الحديث الأُول -رحمة الله عليهم أجمعين- في صفاتهم ومجالسهم ومذاكراتهم ومناظراتهم ورحلاتهم وسماعهم وتحديثهم، وفي ذلك من الفوائد والعبر والعظات ما لا يخفى .

أهمية الكتاب ومكانته وعناية العلماء به واستفادتهم منه

كتاب «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» من الكتب المهمة في علوم الحديث؛ فهو ينقل لك مذاهب الأئمة المتقدمين في مسائل علوم الحديث المختلفة موثقة بأسانيدها إليهم.

ويُعد هذا الكتاب أول كتاب صُنِّف في علم الحديث، وقد صرح بذلك جمع من أهل العلم، فمن ذلك:

قال العلائي: «وهو أول شيء وقفتُ عليه مصنَّفًا في علوم الحديث».

وقال ابن حجر: «أما بعد؛ فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت للأئمة في القديم والحديث، فمن أول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه «المحدث الفاصل»، لكنه لم يستوعب.

وقال القسطلاني: «أول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه «المحدث الفاصل

إلا أنه قد سبقت جهود لأهل العلم قبل الرامهرمزي في التأليف في قواعد علوم الحديث، مثل «مقدمة الصحيح» للإمام مسلم، و «العلل الصغير» للإمام لترمذي. وإن كان للإمام أبي بكر الحميدي صاحب «المسند» مؤلف في ذلك -كما يدل عليه نقولات كثيرة عنه في «الكفاية» للخطيب البغدادي  - فهو أسبق من هذا كله، والله أعلم.

ثناء أهل العلم على الكتاب

قال أبو طاهر السِّلفي: «هو كتاب مفيد».

وقال الذهبي: «الرامهرمزي القاضي مصنف كتاب «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» في علوم الحديث، وما أحسنه من كتاب! قيل: إن السِّلفي كان لا يكاد يفارق كمه. يعني في بعض عمره» (٣).

وقال أيضًا: «وكتابه المذكور -يعني: المحدث الفاصل- ينبئ بإمامته.

وقال العلائي: «هو كتاب نفيس جدًّا

الرامٓهُرمُزي مؤسس علوم الحديث -  محمد محب الدين أبو زيد البقاعي: «وقد ذكر ابن خلاد في كتابه «المحدث الفاصل» أشياء حسنة، تبعث ذا الهمة العالية على بذل الجهد في التفهم، في باب عقده في أوائل كتابه في فضل من جمع بين الرواية والدراية  

 عناية العلماء بالكتاب واستفادتهم منه

لقد اعتنى أهل العلم -لاسيما أصحاب الحديث- بكتاب «المحدث الفاصل» أيما اعتناء، وآثار هذه العناية ظاهرة في مصنفات العلماء قرنًا بعد قرن، رواية وقراءة ونقلًا.

فهذا الإمام الكبير والحافظ النِّحرير أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (المتوفى سنة ٣٨٥ هـ) قد روى هذا الكتاب وحدث به عن الرامهرمزي.

وقد رواه الحافظ زكي الدين المنذري، عن ابن الجوزي كتابة، عن ابن خيرون إذنًا، عن الجوهري كتابة، عن الدارقطني، عن الرامهرمزي. كما هو مثبت في سماعات نسخة كوبريلي.

وقال السخاوي: «وكذا حدث الحافظ زكي الدين المنذري بالمحدث الفاصل بخمس أجايز متوالية، عن ابن الجوزي، عن أبي منصور بن خيرون، عن الجوهري، عن الدارقطني، عن مصنفه؛ لكونه علا فيه بها درجة عما لو حدث به بالسماع المتصل عن أصحاب السِّلفي، عنه، عن المبارك بن عبد الجبار، عن الفالي، عن النهاوندي، عن مصنفه» .

وهذا الخطيب البغدادي كثيرًا ما ينقل من هذا الكتاب في كتبه مثل: «الكفاية»، و «الجامع لأخلاق الراوي»، و «تقييد العلم»، و «تاريخ بغداد» وغيرها. ويروي الخطيب هذا الكتاب عن علي بن أحمد بن علي المؤدب، عن أحمد ابن إسحاق النهاوندي، عن الرامهرمزي وأيضًا استفاد منه ابن عساكر في كتبه مثل: «تاريخ دمشق»، وابن الجوزي في كتبه مثل «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم»، وكلاهما يرويه من طريق الخطيب 

واستفاد منه الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في «مسألة التسمية»، ويروي الكتاب عن المبارك بن عبد الجبار، عن الفالي، عن النهاوندي، عن الرامهرمزي
واستفاد منه السمعاني كثيرًا في «أدب الإملاء والاستملاء»، ويرويه عن الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي، عن المبارك بن عبد الجبار، عن علي بن أحمد المؤدب، عن النهاوندي، عن الرامهرمزي.

وقد سمعه الحافظ أبو طاهر السِّلفي، بقراءة الحافظ المؤتمن الساجي، على المبارك بن عبد الجبار بن الطيوري، عن الفالي المؤدِّب، عن ابن خَرْبان النهاوندي، عن الرامهرمزي.

يقول السِّلفي: «كان المؤتمن لا تمل قراءته، قرأ لنا على ابن الطيوري كتاب «الفاصل» للرامهرمزي في مجلس»
وبعد ذلك تصدر الحافظ السِّلفي لروايته، فسمعه جمٌّ غفير من الحفاظوالعلماء والفقهاء، وكل من وقفت عليه يروي هذا الكتاب -بعد عصر السِّلفي- فإنما يرويه من طريق السِّلفي، عن المبارك بن عبد الجبار بن الطيوري به.

فمن هؤلاء الحفاظ الذين يروون الكتاب عن السِّلفي أو من طريقه، وينقلون منه في مصنفاتهم: القاضي عياض، وابن بشكوال، وابن خير الإشبيلي، وعلي بن المفضل المقدسي، والرشيد العطار، والذهبي، والتاج السبكي، والوادي آشي، ومحيي الدين الحنفي، والعلائي، وابن رُشيد السبتي، وبرهان الدين الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي، وابن حجر العسقلاني، والبقاعي، والسخاوي، والشوكاني وغيرهم.

وقد استفاد المصنفون في علوم الحديث من هذا الكتاب استفادة عظيمة، فكما ذكرنا من قبل أن الخطيب البغدادي استفاد كثيرًا من هذا الكتاب، فكذلك استفاد منه القاضي عياض في كتابه القيم «الإلماع»، وكذلك ابن الصلاح في «علوم الحديث»، وكل من أتى بعده ممن صنف في اصطلاح أهل الحديث مثل العراقي والزركشي وابن حجر والبقاعي والسخاوي والسيوطي وغيرهم.

كتب المتأخرين لا تُغني عن «المحدث الفاصل»:

شاع بين بعض طلبة العلم أن كتاب «المحدث الفاصل» وغيره من كتب الاصطلاح المتقدمة المسندة مثل: «معرفة علوم الحديث» للحاكم النيسابوري، و «الكفاية»، و «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» كلاهما للخطيب البغدادي، و «الإلماع» للقاضي عياض - لا فائدة منها الآن؛ لأنها وُضعت قبل استقرار الاصطلاح، أما وقد استقر الاصطلاح على يد ابن الصلاح، ومن بعده كالعراقي وابن حجر العسقلاني والسخاوي والسيوطي، فيُكتفى بهذه الكتب المتأخرة عن كتب المصطلح المسندة المتقدمة.

وهذا خطأ ظاهر، وقصور واضح، وسأبين ضعف هذه المقولة ووهاءها في النقاط التالية:

أولًا: أن اعتماد المتأخرين في تقرير الاصطلاح إنما هو على هؤلاء المتقدمين، فكما كانت كتب المتقدمين أصلًا لهم، يجب أن تكون أصلًا لنا، ولا يصح أن نعتمد على الفرع ونترك الأصل؛ إذ لو فعلنا ذلك لضعف فهمُ الاصطلاح عندنا، ولأصبحنا مقلدين للمتأخرين دون فهمٍ لأدلتهم وأصولهم. ولو اعتمدنا على الأصل وعرفنا المسائل الحديثية بأدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة وأقوال أصحاب الحديث الأُول، لقويت عندنا المعرفة ولصرنا إلى الاجتهاد أقرب منا إلى التقليد، فكما قيل: إذا قرأتَ للمتقدمين فُقْتَ المتأخرين، وإذا قرأتَ للمتأخرين جعلوك في ركابهم.

ثانيًا: أن هذا الكتاب -وكذلك غيره من كتب الاصطلاح المسندة- يوقفنا على آراء علماء الحديث المتقدمين في كثير من مسائل المصطلح بالأسانيد إليهم، وغالبا ما تُذكر هذه الآراء في كتب المتأخرين عارية من الأسانيد، فيستطيع الباحث بمطالعة هذا الكتاب أن يقف على صحة ما نُقل عنهم أو ضعفه عن طريق دراسة هذه الأسانيد وفحصها.

ثالثًا: قد يُرجح بعض المتأخرين قولًا ما، أو يقرر مسألة ما من مسائل المصطلح، فنستطيع بالرجوع إلى هذا الكتاب أن نعرف هل خالف هذا المتأخر قول علماء الحديث المتقدمين الذين هم أئمة الحديث وفرسانه وعليهم الاعتماد في تقرير مسائل الاصطلاح أم لا؟

فكتب الاصطلاح المسندة المتقدمة هي الميزان الذي نزن به ترجيحات المتأخرين وأقوالهم.

رابعًا: أنه بموجب القاعدة السلفية العظيمة: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها» يجب علينا الرجوع إلى السلف الصالح وهم أهل الحديث الأُول وهم واضعو هذا الاصطلاح، فكما نرجع إليهم في تقرير الاعتقاد، يجب علينا أن نرجع إليهم في تقرير الاصطلاح، لاسيما وقد أصاب علم المصطلح كغيره من علوم الشرع على أيدي هؤلاء المتأخرين شوائب كثيرة من علم المنطق والكلام المذمومين على لسان السلف الصالح - رضي الله عنه - ت ولن تجد من يحكي لك أقوال علماء الحديث المتقدمين في مسائل الاصطلاح موثقة بأسانيدها إلا في هذا الكتاب وما شابهه.

خامسًا: أن هذا الكتاب الذي بين يديك يشتمل على كثير من النصوص -من أحاديث وآثار ونقولات- لم أجدها في غيره من الكتب، عدد هذه النصوص (٢٥٠) نصًّا تقريبًا، وهي أكثر من ربع نصوص الكتاب.

فإذا استُغني بكتب المتأخرين عن هذا الكتاب، وأُهملت هذه النصوص التي لا توجد في كتب المتأخرين، وفيها ما فيها من الفوائد والعلوم والعبر والعظات، لضاع جزء من العلم بسبب هذا الإهمال.

سادسًا: يوجد في هذا الكتاب كثير من المسائل والمصطلحات الحديثية التي لا يكثر التعرض لها في كتب المصطلح المتأخرة، وقد لا يُتعرض لها أصلًا مثل:

مصطلح «التلقين» فالمشهور عند المتأخرين أنه تلقين المحدث ما ليس من حديثه، وهو مذموم. أما في هذا الكتاب فلفظ «التلقين» هو سؤال التلميذ للشيخ عن الحديث حتى يحدثه به، وليس هذا بمذموم.

وكذلك الكتب التي تُروى عن طريق المناولة، ذُكرت في هذا الكتاب باسم «كتب الأمانة».

كذلك فإنه قد يشير المتأخرون لمسألة ما مجرد إشارة، أو يتعرضون لها باختصار، وتراها مفصلة في هذا الكتاب مذكورة بأدلتها وأقوال السلف فيها، وذلك مثل مسألة التقديم والتأخير في المتن والإسناد قال السيوطي: «والمسألة أشار إليها المصنف -يعني: النووي- كابن الصلاح، ولم يفرداها بالكلام عليها، وقد عقد الرامهرمزي لذلك بابًا، فحكى عن الحسن والشعبي وعبيدة وإبراهيم وأبي نضرة الجواز إذا لم يغير المعنى ... » 
ومن المسائل المهمة التي لم يفصلها المتأخرون، واستفاض فيها الرامهرمزي استفاضة بارعة، هي مسألة اختلاف ألفاظ التحديث.

قال السيوطي: «فائدة: عقد الرامهرمزي أبوابا في تنويع الألفاظ السابقة، منها:

الإتيان بلفظ الشهادة، كقول أبي سعيد: «أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الجر أن ينتبذ فيه»، وقول عبد الله بن طاوس: «أشهد على والدي أنه قال: أشهد على جابر بن عبد الله أنه قال: أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أُمرت أن أقاتل الناس ... » الحديث، وقول ابن عباس: «شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر ... » الحديث في الصلاة بعد العصر، وبعد الصبح.

ومنها: تقديم الاسم، فيقول: فلان حدثنا أو أخبرنا.

ومنها: سمعت فلانًا يأثر عن فلان.

ومنها: قلت لفلان: أحدثك فلان أو أكتبتَ عن فلان؟

ومنها: زعم لنا فلان عن فلان.

ومنها: حدثني فلان وردَّ ذلك إلى فلان.

ومنها: دلني فلان على ما دل عليه فلان.

ومنها: سألت فلانًا فألجأ الحديث إلى فلان.

ومنها: خذ عني كما أخذته عن فلان.

وساق لكل لفظة من هذه أمثلة».

ومن المسائل الحديثية التي لم أجدها في كتب المتأخرين، وعقد لها الرامهرمزي بابًا هي: مسألة الجمع بين الرواة، وكيف يقول المحدث إذا جمع بين الرواة.

أقول: وقد يكون بعض من أشاع هذه المقولة الباطلة أُتي من نقصٍ ما في علمه وفهمه؛ فإنه لما ضاق ذرعًا بكتب المتقدمين وما فيها من أسانيد لم يعرف صحتها من ضعفها، وعبارات لم يستطع فهمها، وإشارات ورموز لم يقدر على حلِّها، تحير وجفَّ، ولم يتواضع فيسأل أهل العلم عنها، ولم يكتفِ بذلك بل ذهب ينفِّر طلبة العلم عنها، ويدَّعي أن لا فائدة منها، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأختم هذا المبحث بهذه الكلمة القيمة للأستاذ العلامة السيد أحمد صقر - رحمه الله - ، حيث قال عند وصفه لكتاب «الإلماع»«وقد عدَّه ابن حجر في «نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر» أول الكتب المؤلفة في المصطلح بعد كتب الخطيب، ووصفه بأنه كتاب لطيف، في حين أنه وصف «المحدث الفاصل» لابن خلاد بعدم الاستيعاب، و «معرفة علوم الحديث» للحاكم بعدم التهذيب، و «معرفة أبي نعيم» بالخصاصة إلى التعقيب ولا يساورني ريب في أن ابن حجر قد أساء الحديث عن تلك الكتب الثلاثة، وقسط في حكمه عليها، ولعل مردَّ ذلك إلى أنه نظر إليها باعتبار صلاحيتها لأن تكون متونًا تُحفظ وتُشرح، فلما لم يجدها كذلك قال فيها ما قال.

ومنطق الإنصاف يقضي بعدم قرنها بمتن من المتون المنتزعة من مقدمة ابن الصلاح، بل يأبى وضع تلك المقدمة في مصافها؛ فإن بينها وبينهم مفازة تتيه جهود المادحين لها، وتضيع أصواتهم الناعقة بفضلها» ا

توثيق اسم الكتاب

جاء اسم الكتاب في بداية كل جزء من نسخة الظاهرية، ونسخة سوهاج، ونسخة كوبريلي -ما عدا الجزء السادس منها-، ونسخة الإسكوريال (١)، ونسخة جامعة الإمام هكذا: «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي».

وكذا سماه به السِّلفي في «معجم السفر» (ص: ٢٧، ١٠٣)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (١٦/ ٧٣)، والسبكي في «معجم الشيوخ» (ص: ٤٩٧) وغيرهم.

وجاء في صفحة عنوان نسخة اليمن (٢)، والجزء السادس من كوبريلي: «الفاصل بين الراوي والواعي».

وكذا سماه به السِّلفي في «الوجيز في ذكر المجاز والمجيز» (ص: ١٥٢)، وياقوت الحموي في «معجم الأدباء» (٢/ ٩٢٣)، وابن الصلاح في «المقدمة» (ص: ٣٥٦، ٣٧٩) وغيرهم.

فالراجح من ناحية النسخ الخطية هو الاسم الأول: «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي»، وقد يكون الثاني من باب الاختصار، والله أعلم .*
==============
* جزء من مقدمة( كتاب المحدث الفاصل ) بقلم محققه الأستاذ محمد محب الدين أبوزيد . 

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين
أحدث أقدم