مدرسة الحديث بفاس .. أول موقع إليكتروني متخصص في علوم الحديث رواية
<

تلفزيون مدرسة الحديث بفاس

نشأة المصطلحات الحديثية- الدكتورة إيمان بنت علي بن محمد آل ماعز - أستاذة السنة وعلومها بجامعة بيشة

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم



من المعلوم أن ما من أهل فن إلا وهم يصطلحون على ألفاظ يتفاهمون بها على مرادهم، وأن هذه المصطلحات تظهر مع ظهور العلم وتتطور بتطوره وتتقدم بتقدمه.

ومن أجل ذلك استخدم أهل الحديث مصطلحات حديثية، وألفاظ يعبرون بها عن صناعتهم، وكانت في أول أمرها قليلة في عددها ضيقة في انتشارها؛ لقلة الحاجة إليها، ولقرب علم الحديث من الأمة، سنداً ومتناً وحقيقة وتطبيقاً، حيث أن الصحابة والتابعين، اتبعوا قواعد علمية رصينة في قبول الأخبار من غير أن يَنصُوا على كثير من تلك القواعد، فضخوا كما هائلا من المصطلحات، فجاء الذين بعدهم فاستنبطوا تلك القواعد من مناهجهم في قبول الأخبار، ومعرفة من تعتمد روايته، كما استنبطوا شروط الرواية وطرقها، وقواعد الجرح والتعديل، وكل ما يلحق بذلك، فاتعنوا كثيرا بالألفاظ وتعريفاتها، وبالمصطلحات ومفاهيمها، وقدموا الكثير في تحديدها ذلك؛ لكونها معلومة ومفهومة بين الناس وعدم الحاجة إلى بیان، كما فعل الشافعي (ت 204هـ) في كتابه "الرسالة".

ثم قام في القرن الرابع الهجري بعض العلماء بجمع تلك المصطلحات المتفرقة في كتب مستقلة، مثل: الرَّامَهُرْمزي (ت 360هـ) في كتابه: "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، والحاكم النيسابوري (ت 405هـ) في كتابه: "معرفة علوم الحديث"، والخطيب البغدادي (ت 463هـ) في كتابيه: "الكفاية في معرفة أصول علم الرواية" و "الجامع الأخلاق الراوي وآداب السامع"، والقاضي عياض اليَحْصُبي (ت 544هـ) في كتابه: "الإلماع في أصول الرواية والسماع، وعمر بن عبد المجيد (ت 580هـ) في رسالته الصغيرة: "ما لا يَسَعُ المحدث جهله)ولم تكن بمفهوم علم المصطلح الذي هو عليه اليوم، بل تناولت المصطلح تحت تسميات مختلفة، من ذلك: (الحدود، والألفاظ والكلمات، ومفاتيح العلوم، والأسامي، والأسباب

الإسلامية، والتعريفات) (2).

إلا أن منهم من استخدم لفظ (معجم)، ولفظ (مصطلح)، لأول مرة في مؤلفاتهم، كمنظومة أحمد الإشبيلي (ت 637هـ)، كما ظهر في عناوين مؤلفاتهم، مثل: الألفية في مصطلح الحديث، للزين الدين العراقي (ت 806هـ)، ونخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، لابن حجر (ت 852هـ).

وفي هذه المرحلة نجد الاهتمام بالمصطلحات وشرحها، وبيان مفاهيمها وتتبع الألفاظ وأصلها ومردها، وبوصفها بسيمات تتنوع وتختلف باختلاف الأزمنة والعلماء والباحثين فيها.

ونتيجة لتكاثر وازدياد تلك المصطلحات وتنوعها وتشعبها كانت الحاجة ملحة إلى إنشاء علم يخدم هذا الزخم الكبير من الألفاظ ومفاهيمها وضبطها، ظهرت المعاجم، كما ظهر ما عرف بمصطلح الحديث.

ففي عصر ابن الصلاح، وبتصنيفه لكتابه المشهور بـ (مقدمة ابن الصلاح)، صار ذلك الكتاب مرجعاً لا يخرج عنه إلا قليلاً، ولا يضاف إليه إلا نادراً.

فظهر علم مصطلح الحديث، كعلم ذي اختصاص، وقواعد ونظريات وأسس، وهو قديم في غايته وموضوعه، وحديث في مناهجه ووسائله ).

ومن يتأمل المراحل التي مر بها التصنيف في علم مصطلح الحديث يجدها تدور على مراحل ثلاث (3) :

الأولى: مرحلة التأسيس وتبدأ فعلياً بالشافعي وتمتد حتى أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وكان جل اهتمامهم التأسيس لمنهج يحسن التعامل مع مصطلحات المحدثين بحيث لا تلتبس بمصطلحات غيرهم، من جهة، والدفاع عن منهج المحدثين من جهة أخرى.

الثانية : مرحلة التأصيل : والمراد بها وضع الأصول التي يقوم عليها هذا العلم، من خلال ترتيب الأبواب وتنسيق النصوص وضرب الأمثلة، وكتاب الكفاية للخطيب أوله، ثم الإلماع للقاضي عياض، ثم مقدمة ابن الصلاح، وكل من جاء بعده شرح كلامه، وفسر عبارته.

الثالثة : مرحلة التنكيت والاعتراض: وهذه المرحلة مهمة جداً، وممن قام بذلك ابن دقيق العيد، ثم علاء الدين مُغْلٓطاي، وأجل من ساق تلك الاعتراضات وأجاب عنها العراقي في كتابه "التقييد والايضاح، وأن غالب من صنف في المصطلح أفاد منه، في تعقباته وتنكيتاته واجاباته، ثم ابن حجر العسقلاني وصنف نكته على ابن الصلاح والعراقي، فأفاد وأجاد وزاد، وكل من جاء بعده يسيرون على منهجه في المصطلح.

المقال مستخرج من بحث : تحرير الألفاظ والمصطلحات عند المحدثين وخطورة إهمالها

مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بدمنهور العدد الخامس

=============

(1) فقه النوازل، (ص119)

(2) لسان المحدثين (110/1) أصول الحديث، (ص 10_11) معجم المصطلحات الحديثية، (ص 29)، وللمزيد، انظر : علم مصطلح الحديث نشأته وتطوره وتكامله، السيد عبد الماجد الغوري، وكلمة "مصطلح" بين الصواب والخطأ، لعبدالعلي الودغيري.

(3) التصنيف في مصطلح الحديث بين مدرستي الحديث والفقه، (ص 12_13)

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين
أحدث أقدم