مدرسة الحديث بفاس .. أول موقع إليكتروني متخصص في علوم الحديث رواية
<

تلفزيون مدرسة الحديث بفاس

< < < <

To browse our website in English and other world languages

Click Here

تحرير مرتبة الراوي (اللين الحديث) عند المحدثين - أ . إدريس الصغيوار

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم


من المباحث المشتركة بين علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل مبحث منزلة الراوي الذي قيل فيه ( لين الحديث )، وتحرير هذا المبحث يطول أمره لكننا سنجمله بالتسهيل والتيسير في هذا البحث ليكون في إجماله الغنية والكفاية .

بداية يدخل هذا المبحث في إطار مراتب الجرح والتعديل ، ومقتضاه يدخل تحت اصطلاحات مصطلح الحديث فقولهم في راوي الحديث :( فيه لين ) أو (لين الحديث) هي مرتبة من مراتب الجرح والتعديل ، وهذه المرتبة تقتضي حكما على الحديث الذي يرويه ذلك الراوي اللين في حديثه ، فإذا كان من قيل فيه (ثقة ثقة ) تقتضي مرتبته هذه الحكم على حديثه بالصحة اي حديثه صحيح . فماذا تقتضي إذن مرتبة (لين الحديث ) من الحكم على حديثه هل تقتضي الصحة  أم تقتضي الضعف في الحديث؟
وككثير من مراتب الجرح والتعديل اختلف العلماء قديما وحديثا في تحديد مفهوم (لين الحديث) ، وخلاصة الخلاف أن القول الأول هو لأئمة النقاد كالدارقطني وأبي حاتم إذ يجعلون( لين الحديث) : (هو الراوي الذي فيه ضعف يسير لا يسقط حديثه ) فهذا في الجملة هو تعريفه، والضعف اليسير هنا منصب قطعا على ضبطه أي حفظه ، فهو على هذا الاعتبار موصوف بنوع يسير من الضعف والخطأ في ضبطه لا يجعله في مرتبة الضعفاء الذين يرد حديثهم ولا يبقيه في مرتبة الصدوق الذي يحسن حديثه، وبعبارة أخرى يكون حفظه أقل ضعفا بنسبة معينة مقارنة بنسبة الراوي الذي نضعفه بسبب سوء حفظه،  لذلك فالراوي اللين الحديث يُتوقف في أمره أي أن رتبته بين الرتبتين رتبة الصدوق ورتبة الضعيف.وعلى أساس ذلك يكون مقتضى الحكم على حديثه هو التوقف . فنتوقف في حديثه لا نقبله ولا نرده ! فإذا وجدنا قرينة من القرائن التي ترجح ضبطه وحفظه لحديث معين أو كل الأحاديث التي يرويها كأن يكون أحد كبار النقاد صوب حديثه وصححه فنجعل تلك القرينة كافية لترجيح صوابه وحفظه لأن تصحيح ذلك الناقد توثيق ضمني لضبطه فنقبل حديثه ويكون في مرتبة الحديث الحسن لذاته فتنقل رتبته من رتبة لين الحديث إلى رتبة خفيف الضبط الذي يكون حديثه حسنا عند الأئمة . فإذا وجدنا للين الحديث من تابعه في الرواية حل الإشكال جملة وتفصيلا ودل ذلك على حفظه ويكون الحديث وقتئذ حسنا لغيره .
فهاهنا ضعف يسير في الحفظ يوصف به الراوي بلين الحديث ويقتضي التوقف في الحديث ، وبالقرائن يتقوى حانب الحفظ فيصبح به الراوي خفيف الضبط وحديثه في مرتبة الحسن لذاته ،أو إذا تابعه أحد الرواة ممن ينجبر حديثهم تقوى به فيصبح حديثه حسنا لغيره .
هذا هو محصلة القول الأول في رتبة (لين الحديث
).
القول الثاني : انفرد به الإمام ابن حجر الإمام الواسع النظر ، وعلى اصطلاحاته بقي العمل والمستقر ، إذ جعل الراوي اللين في حديثه هو من كان قليل الرواية ولم يجرح ولم يوجد لحديثه متابع،
والمقبول عنده هو من كان حديثه قليلا ولم يجرح وتوبع على حديثه ، فالفرق بين لين الحديث وبين المقبول هو المتابعة ، فالمقبول له متابع ولين الحديث منفرد لا متابع له.
فهذا خلاصة كلام الامام ابن حجر في لين الحديث . ومقتضى ذلك هو التوقف في الحكم على الراوي وروايته معا كما هو في القول الأول.
ولتحرير سبب الحكم على الراوي بلين الحديث عند ابن حجر نقول انه يجد حفظه متقنا بنسبة تحتاج بعض الاطمئنان لأمر يتعلق بتفرده بالرواية عن باقي الرواة لا بضعف حفظه حقيقة فتفرده بما لم يروه غيره من أقرانه هو ما جعلنا نشك قليلا في ضبطه فلربما كان هذا الذي تفرد به من أوهامه إذ لماذا لم يشاركه أقرانه الرواة في رواية الحديث نفسه!!!

فالأئمة في الجملة يردون تفرد غير كبار التابعين ، وحتى كبار التابعين يقبلون تفردهم على وجه الجملة فقط أي أن هذا القبول أغلبي ولا يختص بأعيانهم فردا فردا، فالقاعدة هنا أن لا قاعدة للتفرد!!! فاحفظها فهي ذهبية نفيسة. واما من هم دون كبار التابعين سواء كانوا من درجة الثقة أم الصدق فتفردهم لا يقبل على وجه الجملة وينظر إلى كل حديث مستقلا بقرائنه ولا يوجد ضابط لقبول المتفرد على وجه التعيين وانما لكل حديث ضابط يخصه حسب ما يحتف به من القرائن.
هنا أتى ابن حجر ليحرر منزلة جديدة بين الرواة ألا وهي مرتبة من لم يوثق ولم يضعف وهو الراوي القليل الرواية ولم يجرح ولم يتابعه على تفرده أحد ماذا نسميه : فاصطلح له ابن حجر اصطلاحا خاصا فسماه : لين الحديث. وهو أول من سناه بذلك ولم يسبقه إليه أحد.
والآن إذا تأملت في الخلاف بين الأئمة في تعريف لين الحديث ستجد الخلاف متباينا في الاصطلاح  ، فأساس التعريف عند الدارقطني هو ضعف حفظ الراوي ضعفا لا يسقط حديثه فعلة تسميته باللين هو نسبة نقص في الحفظ . أما أساس التعريف عند ابن حجر فهو التفرد عند من قل حديثه اي لم يرو إلا أحاديث معدودة في مسيرة روايته ولم يجرحه أحد من النقاد أي تفرد راو بصفة محددة وهي قلة أحاديثه ، أما حفظه فلا غبار عليه . فالدارقطني يضعفه بسبب حفظه وابن حجر يضعفه بسبب تفرده، والدارقطني لا يشترط له وصفا وابن حجر يحدد وصفه بالقليل الحديث الذي لم يجرح من قبل إمام.
والدارقطني لا يسقط حديثه وابن حجر أيضا لا يسقط حديثه.
فالمحثا هنا أننا أمام تعريفين متغايرين لهما اصطلاح واحد هو (لين الحديث) ومقتضى واحد لذلك الاصطلاح وهو التوقف .
وكأننا أمام معضلة اصطلاحات الأئمة،  والقاعدة: أن لكل إمام اصطلاحه الخاص يناقش كلامه على مراده لا على مراد غيره. فلا مشاحة في الاصطلاح.

قال إدريس الصغيوار في وصف رتبة لين الحديث عند ابن حجر :
وسادسٌ حديثـُـه قليــــلُ
ولم يُجٓرّحْ فهــو المقبولُ
أعني إذا توبع لكــن ليـنُ
إن عزّ في المتابع التمكنُ

اشترك في قناتنا على اليوتيوب ❤ × +
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِين
أحدث أقدم