وبعد فإن من مسائل الخلاف المعتبر صلاة التراويح جماعة هل تصلى في البيت أم في المسجد ؟ وأيهما من ذلك يوافق السنة ؟!
اختلف العلماء في ذلك على قولين :
القول الأول به قال مالك -إمام دار الهجرةـ والشافعي وهو ان صلاة التراويح في البيت أفضل وهو السنة .
والقول الثاني: وبه قال الجمهور وهو ان صلاة التراويح في المسجد افضل .
واستدل اصحاب القول الاول بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، واستدل القول الثاني بفعل عمر ذلك ومتابعة الصحابة له في ذلك ففعلهم هذا فهم عملي للسنة وهو اولى .
قال مالك رحمه الله : ( لا بأس أن يصلي القوم جماعة النافلة في نهار أو ليل , قال : وكذلك الرجل يجمع الصلاة النافلة بأهل بيته وغيرهم لا بأس بذلك )
وجاء في المدونة : قال: وسألت مالكا عن قيام الرجل في رمضان أمع الناس أحب إليك أم في بيته ؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إلي، وليس كل الناس يقوى على ذلك، وقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله، وكان ربيعة وعدد غير واحد من علمائهم ينصرف ولا يقوم مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل مثل ذلك).
وفي شرح الخرشي على مختصر خليل المالكي:
والجماعة فيها (اي في التراويح )مستحبة لاستمرار العمل على الجمع من زمن عمر، والانفراد فيها طلبا للسلامة من الرياء أفضل، والمراد بالانفراد فيها فعلها في البيوت ولو جماعة هذا إن لم تعطل المساجد فإن خيف من الانفراد في التراويح التعطيل فالمساجد أفضل.)
فالذي عليه المالكية ان صلاة التراويح في البيت هو السنة والمعتمد ومعنى ذلك هو ان أجرها في البيت أعظم واكبر ، واشترطوا لذلك ان لا تعطل التراويح في المساجد . كما يفهم من قول مالك رحمه الله فشعيرة التراويح في المسجد لها غايتها وأفضليتها فهي مستحبة على الكفاية ، وشعيرة التراويح في البيوت لها غايتها وهدفها بشرط قيام التراويح في المساجد .
قال الطحاوي: كل من اختار التفرد ينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا. وروي نحو هذا عن الليث بن سعد. وقال مالك، والشافعي: قيام رمضان لمن قوي في البيت أحب إلينا)
وعليه فإن الأمر في صلاة التراويح واسع تؤدى في اي مكان كان في البيت او في المسجد فمن صلاها في بيته كتب له أجر القيام ومن صلاها في المسجد كتب له ذلك . والتفاضل بين صلاتها في البيت او في المسجد قائم من وجوه فعلى قول من قال بسنية إقامتها في البيت يكون أصاب فضيلة السنة بأداىها في بيته ،وما يصحب ذلك من حث أهل البيت على التراويح ولذلك قال العلماء ان اداءها في البيت افصل من هذا الجانب. ومن صلاها في المسجد على راي من يقول بأفضليتها في المسجد كان له أفصلية من حيث انه اذا قام حتى انصرف مع الإمام كتب له قيام ليلة . وهذا على وجه العموم والا فان الافصلية في طبيعة الصلاة نفسها بعدد ركعاتها وطولها وخشوعها فقد يصليها على الوجه الأكمل من صلاها جماعة في بيته ما لا يتحصل لمن صلاها في جماعة في المسجد ، وفي الجملة فالأمر في ذلك واسع ولكل مجتهد نصيب بحسب جهده واجتهاده. على أن العلماء لاسيما المالكية والشافعية على القول بأفضليتها في البيت اذا جمع أهله عليها وكان المسجد القريب إليه تقام فيه التراويح لما في ذلك من الموافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن الاصل في النافلة وقوعها في البيت ولان الاجتماع على النافلة في البيت من فعل النبي صلى الله غليه وسلم في التراويح وفي غيرها لكن ليس على الدوام ، ولأن فعلها في البيت أدعى إلى الإخلاص ولان فعلها في البيت فيه تحفيز لأهل البيت على صلاتها وكسبهم اجر الاجتماع عليها ، ولان فعلها في البيت لمن قوي عليها يحصل فيه من الاجتهاد ما لا يحصل في المسجد كل حسب همته . والله تعالى أعلم.