للجمعة في شهر رمضان ميزة خاصة تختلف عن يوم الجمعة في بقية الشهور ، إذ تجتمع فيها ساعتان موجبتان لاستجابة الدعاء عند الله .
الساعة الأولى : هي آخر ساعة من يوم الجمعة وفيها ورد الحديث الصحيح الدال على انها الساعة التي يستجاب فيها الدعاء ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ - يُرِيدُ – سَاعَةً ، لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا، إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وعند أبي داود (1046) عن أبي هريرة قال : " قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : فَقُلْتُ لَهُ : فَأَخْبِرْنِي بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقُلْتُ: كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي ) ، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ) ، قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ : هُوَ ذَاكَ " .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله بشأن تعيينها:
" روى سعيدٍ بن منصورٍ بإسناده ، عن أبي سلمة ، قال : " اجتمع ناسٌ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة ، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعةٍ من يوم الجمعة " .
انتهى من "فتح الباري" (8/ 302-303) .
فهذا الحديث نص في أن اخر ساعة في الجمعة هي ساعة استجابة الدعاء على الراجح من أقوال اهل العلم في المسألة ، لا سيما وهي الساعة التي تعظمها سائر الأمم قبلنا ولم يكن لتلك الأمم من الأحاديث عن أنبيائها ما قد يرد بسببه خلاف ، فدل تعظيمهم لها بالتواطئء على ذلك على أنها هي الساعة المعنية في الحديث لا غيرها . وزمانها يكون قبل أذان المغرب باكثر من نصف ساعة على القطع . وتتفاوت مدتها بحسب إجمالي المدة الزمنية بين أذان الفجر وأذان المغرب فهو متفاوت فإن قسمت هذه المدة إلى اثنتي عشرة ساعة كان آخرها هو المقصود في الحديث ، وبعيدا عن هذه الحسابات تبقى مدة النصف ساعة الأخيرة قبل المغرب جزءا على اليقين من تلك الساعة فمن ادركها ودعا الله فيها بمسألة نال سؤله ما دام جالسا في حال انتظار صلاة المغرب .
والساعة الثانية :هي بعد أذان صلاة المغرب عند فطر الصائم ، لقول الرسول صلى اله عليه سلم : ( إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) رواه ابن ماجه . وورد في حديث آخرعند الترمذي ( ثلاثة لا ترد دعوتهم .. وذكر منهم والصائم حين فطره ...)
وإنما اطلقت عليها هنا لفظ الساعة لكون الفطور له مدة زمنية تختلف كثرة وقلة فمنهم من يفطر في دقائق ومنهم من يفطر في أكثر من ذلك ، والدعاء هنا متعلق بالفطر نفسه فما دام الصائم يفطر فله أن يدعو وهو يفطر بخير الدنيا والآخرة بلا حصر ودعاؤه مستجاب لذلك جاء في لفظ الحديث (عند فطره) ؛ فالعندية تبدأ من لحظة ماقبل الفطر وتبقى ممتدة مع امتداد الفطور مصاحبة له ما بقي، الى آخر لقمة او شربة . وقيل ان دعاء الصائم يشرع قبيل فطره ، فمن دعا قبل الفطر وبعده جمع المعنيين .
فميزة الجمعة في رمضان بهاتين الساعتين : آخر ساعة في الجمعة وساعة الفطر ، تتجلى في امتداد زمن الدعاء المستجاب إنه ممتد من قبل المغرب بزمن إلى ما بعده حتى الانتهاء من الفطر ، فمن استثمر هذا الزمن الممتد ومد مطالبه إلى الله يسأله من فضله حوائجه مما يصلح دينه ودنياه أصاب السنة في دعائه ونال بذلك ما يرجوه من الله فإن اجتماع موجبين لإجابة الدعوة في زمن واحد أحرى ان تحقق به الرغائب وتقضى به الحاجات ولذلك رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في هاتين الساعتين ، وهما في الأصل منفصلتان ، أما وقد اجتمعتا في شهر رمضان يوم الجمعة فتلك غنيمتان من تركهما حرم خيرا كثيرا. وليس الامر منحصرا في رمضان وحدهفقد يتفق ان يكون صوم يوم الجمعة نفلا من النوافل فتجتمع الغنيمتان ايضا .
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
ٱلْعَٰلَمِين