من الدروس الأخلاقية التي نتعلمها من مدرسة رمضان:
الدرس السابع: سلامة اللسان وفي الإشارة إلى هذا الخلق الفاضل جاءت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاداته للصائم خاصة؛ ليجعلم من صومه في رمضان وامتثاله لتلك الوصايا الغالية طبعا لا يفارق سلوكه وأخلاقه في سائر الحياة.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب » (1) .
فهذا الحديث يحث المؤمن على سلامة اللسان، وعلى اجتناب الصحب والرفث ورديء الكلام، وقد جاء عنه أنه قال: «ليس الصيام عن الطعام والشراب، وإنما من اللغو والرفث»(2).
وجاء عنه : من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (3) .
فرمضان مدرسة تعلم المسلم إمساك اللسان، وتمرنه على أدب الحديث والكلام، وعلى اجتناب كل موارد الهلاك التي غالبا ما يكون اللسان هو مصدرها ومنبعها، وفي الحديث سئل رسول الله م: أي المسلمين أفضل؟ فقال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، (4) وفي الحديث أيضًا، قال رسول الله : «من يضمن لي ما بين لحييه, وما بين رجليه أضمن له الجنة»(5).
ففي ضمان سلامة اللسان ضمان للجنة، لذلك كان هذا الدرس الذي يهمه المؤمن الصائم من مدرسة الصيام من أنفس الدروس وأغلاها، إذ كل صائم استطاع حفظ لسانه شهرا كاملاً من الصخب والغيبة والنميمة والفحش وقول الزور والكلام الباطل لا شك أن ذلك سيحمله بعد رمضان على سلامة لسانه، وحفظه من العثرات.
الدرس الثامن عدم الرد بالمثل وهذا الدرس دل عليه قول
الرسول : فإن امرؤ سابه أحد أو قاتله, فليقل: إني امرؤ )1( »صائم
وهذا الخلق كما أنه يحفظ على الصائم صومه ويجنبه زلات اللسان التي قد تحصل له إذا رد على من سبه بالمثل؛ فهو أيضا يولد في نفسه خلق التسامح، ويغرس فيه بذوره الطيبة حتى إذا انقضى رمضان, وهو على هذا الحال، وجد في نفسه قدرة على العفو والصفح والاحتمال، ونال بذلك شرف الخلق الحسن والدرجة التي وعد الله بها العافين عن الناس.
فالمؤمن الصائم لا يحفظ لسانه عن الرد عن سب الآخرين في رمضان فقط، وإنما خلقه أن يكون رده سلاما, كما قال تعالى في صفات عباد الرحمن: { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } [الفرقان: 63].
فرمضان إذن مدرسة تؤصل هذا الخلق في تلك العبارة الوجيزة
- إني صائم - وهذا عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - مر في ليلة مع حرسه في إحدى الأماكن المظلمة فدهس رجلاً دهسا خفيفًا فقال : ذلك الرجل لعمر : أأنت مجنون؟ فقال عمر : وكان لم يره لا. فبادر أحد الحراس ليؤدب ذلك الرجل، فقال عمر بن عبد العزيز على رسلك فإنما سألني هل أنا مجنون، فأجبته. -
فانظر إلى جواب عمر بن عبد العزيز فيه السمت نفسه الذي أمر به الصائم في صومه، وفيه الأدب نفسه الذي يقوله الصائم في صومه.. لا يبعث على شحناء، ولا يؤجج نارا للفتنة.
وهكذا يجب على المؤمن أن يكون.. خلقه سلام وقوله سلام... ليحشر في دار السلام.
الدرس التاسع العفو والحلم فرمضان شهر الرحمة والغفران فيه ينشر الله جل وعلا رحمته، ويوسع مغفرته، فله في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من رمضان.
وعد فيه الصائم المحتسب بالغفران.. ووعد القائم المحتسب بالغفران... وجعل ليلة القدر ليلة غفران.. وفي هذا من المعاني العظيمة ما يدفع المؤمن إلى أن يكون هو الآخر عفوا حليما كريما.
فعفو الله من العافين أقرب.. لأنه سبحانه يحب العفو .. كما قال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } (13 :المائدة)
والجزاء عند الله من . من جنس العمل، فمن عفا عفا الله عنه, ومن غفر غفر الله له... وفي هذا الدرس الرمضاني عبرة لكل مؤمن لكي يوطن نفسه على العفو عن الزلات والحلم عن المخطئين، قال تعالى في مدح من هذا شأنه : {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
==============
(1)رواه البخاري.
(2) رواه ابن حبان.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه البخاري ومسلم.
(5) رواه البخاري.
(6) رواه البخاري.